رندلى جبور |
هو يزاحمنا بدموعه، بفيض الفقدان.
وفقداننا فوق العادي، لأنّ من رحل كان نُوحاً في طوفان، وكان دماً في شريان، وكان سيفاً للعنفوان، وكان صرخة ضد الطغيان.
ونسأل مَن نودّع اليوم وعلى مَن نحزن؟
هل نحزن على الصبر الذي كانه السيد حسن نصرالله، أم على نبض المقاومة وروحها؟
هل نحزن على الحق الذي رَفَع رايته، أم على عدد الرايات المُنَكَّسة في وداعه؟
هل نحزن على الإسلام الجميل الذي مثّلته عمامته، أم للاستسلام الذي يلهث وراءه كثيرون الآن؟
هل نحزن على الانسان أم على القائد والملهِم.. وأنت جميعهم؟
هل نحزن على افتقادنا الإصبع الذي يَسنُد جبالاً، أم على الابتسامة التي سَقطت في غفلة مِنّا؟
هل نحزن على الفكر الذي رُمِيَت عليه أطنان القنابل، أم على فائق العاطفة الانسانية الصادقة التي أشعلوا النار في عباءتها؟
هل نحزن على اغتيال المصداقية في طَيْشٍ عالمي، أم على القدرة على إكمال الطريق بثبات مهما كانت التحديات؟
هل نحزن على التواضع المرتسم على جبهتك الشامخة، أم على الصلابة المخيّطة مع أعصابك؟
هل نحزن على “الكاريزما” التي ملأتَ بها الشاشات والقلوب، أم على الرقيّ الذي تعاطيتَ فيه مع الشعوب؟
هل نحزن على اللغة التي قرّرَتْ الاختباء مِن بَعدك خجلاً، أم على الحكمة؟
هل نحزن لأننا سنشتاق إلى كل ما صَنَعت، أم على ما كان يمكن أن تصنعه بعد وحرمونا وحرموك منه؟
هل نحزن على الجرأة النبوية الطالعة منك، أم على حاضن أمين لطالما ركنّا إلى حروفه؟
أعرفتم لماذا أجّلنا حزننا؟
لأنه كبير إلى هذا الحدّ، ولا يمكن استيعابه بسهولة.
فحزننا ليس على شخص بل على كل ما سنفتقد بغياب السيد، بغياب الشمس.
على نوح الذي كان من سينقذ سفينتنا، وعلى الصبر والنبض والحق، وعلى الاسلام الجميل والانسان الجميل، على القائد والملهم، على السند والابتسامة والفكر والعاطفة الانسانية والمصداقية والثبات والتواضع والصلابة والكاريزما، على قلبنا نحن.
أعرفتم لماذا أجّلنا حزننا؟
لأن خسارتنا لا جهاز هضمياً لها.
ولكن الآن، ومن المدينة المنوّرة بروح السيد، نعيش حزننا بفائق الدموع والغصّات… فموعد حزننا قد حان.. حقاً حان!
🌹